الصلاة قال تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم"، (سورة النحل، الآية: 44)، وقد بيّن لنا الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- كيفية الصلاة، حيث ورد عنه أنّه قد قام بأداء الصلّاة على المنبر، ثم قال: "إنما صنعتُ هذا لتأتموا بي ولِتَعلَّموا صلاتي"، (رواه البخاري ومسلم).
إنّ الامتثال لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكون في كلّ شيء، وذلك من تكبيرة الإحرام حتى التسليم، ووضعيّة اليدين تختلف باختلاف حركات الصلاة، فليس جسد المصلي وحده الذي يتحرك أثناء الصلاة، ولكن هناك دور لليدين أيضاً، وقد يجهل الإنسان الوضعية الصحيحة ليديه أثناء الصلاة، ويتساءل ويقول: أين توضع اليدان في الصلاة؟
وضعية اليدين في الصلاة إنّ الاختلاف بوضعية اليدين في الصلاة، قد لا يؤدّي إلى بطلانها، وهي لا تصل بدرجتها إلى درجة الركن، ولكن يجب على المسلم أن يحذر من أن يصطنع حركة، أو ذكراً، أو تصرّفاً في عبادة الصلاة أثناء تأديتها، فلا يستحدث شيئاً في العبادة؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام: "وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعةٍ ضلالة"، ونحن هنا لسنا بصدد بيان حكم من لا يضع يديه في المكان المناسب، فالحكم على المُصلّي بصحة صلاته أو عدمها له شروطه، لذلك فأمر الفتوى فيه يعود لأهل العلم، ولكنّا هنا بصدد بيان موضع اليدين أثناء الصلاة من خلال صفة صلاة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، واتباع سنته، حيث قال: "صلّوا كما رأيتموني أصلي"، (رواه البخاري ومسلم وأحمد).
أداء الصلاة إنّ بيان موضع اليدين في الصلاة يتطلّب منا تفصيل الركعة الواحدة، والحديث عن كلّ ركنٍ فيها، كتكبيرة الإحرام، والركوع، والسجود، وما بينها من حركات، لذلك سيكون التفصيل كالتالي:
- تكبيرة الإحرام: عند التلفّظ بتكبيرة الإحرام وهي قول المُصلي (الله أكبر) يقوم برفع يديه، وقد كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحياناً يرفعهما قبل التكبيرة، وأحياناً أثناءها، وأحياناً بعدها، وبالنسبة لأصابع الكفين أثناء التكبير فتكون بشكلٍ ممدود، دون أن يُفرّج بين أصابعه، ودون أن يضمهما، ثم يُقرّب كفيه من أذنيه عند رفعهما.
- قراءة الفاتحة: بعد التكبير يقوم المصلي بوضع يده اليمنى على يده اليسرى؛ بحيث يكون باطن الكفّ الأيمن على ظاهر اليد اليسرى والرسغ والساعد، وكان عليه الصلاة والسلام في بعض الأحيان يقوم بقبض اليد اليمنى على اليسرى، ولا يجوز أن يعكس المُصلّي يديه، بأن يضع اليد اليسرى على اليد اليمنى، فقد ورد عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- بما معناه أنّه شاهد أحد المُصلّين يضع كفّه الأيسر على كفّه الأيمن، فقام عليه الصلاة والسلام هو بنفسه بتبديل وضعيّة يديّ الشخص المُصلي.
وبعد أن يضع المُصلّي اليد اليمنى على اليسرى، عليه أن يضع يديه الاثنتين على صدره، وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن الاختصار، والمقصود به الصلب؛ أي وضع اليدين على الخصر، ثمّ يشرع المُصلّي بقراءة الفاتحة، والسورة الأخرى، ويُبقي يديه على تلك الحال حتّى ينتهي، أي حتى التكبير للقيام بركن الركوع.
- التكبير للركوع: بعد الانتهاء من القراءة يرفع المُصلّي يديه للتّكبير حتى يركع، ويفعل ذلك بذات الطريقة التي حرّك فيها يديه لتكبيرة الإحرام، وبذات الشكل.
- الركوع: يقوم المُصلي بوضع يديه على ركبتيه؛ بحيث يمكّن يديه منهما وكأنه قابض عليهما، وبالنسبة لأصابع كفّيه فإنّه يفرّج عنهما، أي يُباعد بين الأصابع، وبالنسبة لمرفقيه يقوم بإبعادهما عن جنبيه.
- الاعتدال من الركوع: بعد الانتهاء من الركوع يقوم المُصلّي برفع يديه عند قوله سَمِع الله لمن حمده، ويكون بذات الطريقة التي حرّك فيها يديه لتكبيرة الإحرام، وبذات الشكل، وأثناء استقامته تكون يداه على جنبيه، ثم يُكبّر للسجود.
- التكبير للسجود: يُكبّر، وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحياناً يرفع يديه عند التكبير للسجود.
- السجود: عند النزول إلى الأرض للسجود يضع المُصلّي يديه أولاً قبل ركبتيه، ثمّ يبسط كفّيه على الأرض، وبالنسبة لأصابع يديه يقوم بضمهما، وتوجيههما إلى القبلة، ويكون الكفّ الأيمن بالقرب من الأذن اليمنى، والكفّ الأيسر بالقرب من الأذن اليسرى، وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحياناً يضع كفّيه بالقرب من الكتفين، وبالنّسبة للذراعين يقوم المصلّي برفعهما عن الأرض، ويبعدهما عن جنبيه، وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يُبالغ في ذلك حتى يظهر بياض إبطيه، وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن وضع الذراعين على الأرض، بحيث يضع المُصلّي كامل ذراعه على الأرض، فتلك صفة الكلب في بسطه لذراعيه.
- الاعتدال من السجود: هنا يقوم الشخص بالتكبير، وكان الرّسول -عليه الصلاة والسلام- أحياناً يرفع يديه عند التّكبير حتى يستوي في جلوسه، وأثناء جلوسه يضع يديه على ركبتيه، ثم يكُبّر للسجود الثاني، وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحياناً يرفع يديه للتكبير، وبعد أن يرفع من السجود الثاني يفعل ما فعله بيديه في الرّفع من السجود الأول.
- النهوض للركعة الثانية: عند النهوض لأداء الركعة الثانية يعتمد المُصلّي على يديه في النهوض؛ حيث ورد في صفة صلاة الرسول ما قوله: "وكان يعجن في الصلاة، ولا يعتمد على يديه إذا قام"، أي يستعين بقبضتيّ يديه للنهوض، وذلك بجمعه لأصابع كفه وضمهما، ثم يفعل كما يفعل العاجن بالعجين، فيرتكز على قبضتي يديه حتى ينهض، وقد جاء هذا في كتاب صفة صلاة الرّسول للشيخ الألباني، ولكن يجب أن نذكر بأن هناك من أهل العلم من ضعّف هذا الحديث، وقال إنّ الرسول كان يرتكز على يديه بالنهوض، ولكن لم يرد بأنّه يرتكز عليهما وهما مقبوضتان.
- الركعة الثانية: عندما يقوم المُصلّي لأداء الركعة الثانية يعاود تكرار ذات الحركات التي قام بها في الركعة الأولى، وهكذا في جميع الركعات، وذلك حتى يصل إلى التشهد.
- التشهد: عندما يجلس المُصلّي للتشهد يضع الكف اليمنى على الفخذ الأيمن، وقد جاء في رواية أخرى وضعها على الرّكبة، وكذلك الحال بالنسبة للكف اليسرى، ثمّ يبسط اليد اليسرى بسطاً، وبالنسبة لكفّه الأيمن فيقوم المُصلّي بقبض أصابعه؛ بحيث يضع إصبعه الإبهام على إصبعه الوسطى، وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يحلق بإصبعيه الإبهام والوسطى، بحيث يكون شكلهما كالحلقة، ثم يرفع المُصلي الأصبع السبابة، ويُحرّكه؛ حيث ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لهي أشدّ على الشيطان من الحديد. يعني: السبابة" أي المقصود تحريك السبابة، وبعدها يكُرّر المُصلّي ذلك في التشهد المتوسط، والتشهد الأخير، وبالنسبة لمرفقيه يضع حدّ المرفقين على الفخذين، وقد نهى الرسول -عليه الصلاة والسلام- من أن يجلس الشخص معتمداً على يده اليسرى، حيث قال: "إنها صلاة اليهود"، وقال: "لا تجلس هكذا إنّما هذه جلسة الذين يعذّبون"، وقال أيضاً: "هي قعدة المغضوب عليهم".
وفي الختام نقول إنّ الصلاة هي عبادة، والصلوات الخمس هي فروضٌ من الواجب على المسلم أن يقوم بها، فهي ركنٌ من أركان الإسلام، لذلك على المسلم أن يؤدّيها على أكمل وجه، وبالطريقة التي أدّاها الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وكما وصلتنا من خلال أصحابه والتابعين ومن تبعهم، واتّباع الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمرٌ من الله عزّ وجل، فهو رسوله، وهو لا ينطق عن الهوى، لذلك كان الأحرى على المسلم أن يُراعي أن يُتمّ صلاته بالشكل المتكامل دون أيّ نقص.